الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تطوير صناعة السلاح سياسة بوتينية جديدة للحفاظ على مكانة روسيا 

تطوير صناعة السلاح سياسة بوتينية جديدة للحفاظ على مكانة روسيا 

29.08.2021
د. ناصر زيدان


النهار العربي 
السبت 28/8/2021 
يشعر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن محاولات تطويق بلاده مستمرَّة، وهناك عمل حثيث من قوى خارجية لخلق مشكلات مناطقية وجهوية لها، وقد يكون الانسحاب الأميركي من أفغانستان إحدى هذه المحاولات، لأن الفراغ الإستراتيجي الذي أحدثه هذا الانسحاب، سيؤدي عاجلاً أم آجلاً الى فوضى في وسط آسيا، ناهيك بتأثير الإندفاعة الإسلامية الجديدة التي أحدثتها حركة "طالبان" بعد أن استولت على الحكم في كابول، وهي ستشجِّع حكماً المنظمات الأصولية على تطوير حراكها في القوقاز وفي جمهوريات "معاهدة الأمن الجماعي" التي تقودها موسكو والتي تحيط بروسيا من الجنوب. وهذه الدول ذات الغالبية الإسلامية، تعتبر حديقة خلفية للمدى الإستراتيجي الروسي بعد أن كانت جزءاً من سيادة الاتحاد السوفياتي السابق. 
في افتتاح الملتقى الدولي للجيش 2021 الذي نظمته وزارة الدفاع الروسية قرب موسكو بين 22 و28 آب (أغسطس) الجاري في حضور ممثلين عسكريين عن 100 دولة، قال الرئيس بوتين، "إن صناعة الأسلحة الذكية الروسية تفوّقت على أي صناعة مماثلة في العالم، والروبوتات الإلكترونية التي وضعت بتصرف الجيش الروسي أصبحت تتحرك بكفاءة عالية من بعد 5 كلم، وهي تتعامل مع تفجير الألغام والعبوات الناسفة بحرفية لا تقل عن حرفية اليد البشرية، وهناك 28 الف وحدة من الأسلحة والمعدات الحديثة تمَّت تجربتها بنجاح، وهي وضعت في الخدمة لصالح القوى البحرية والجوية والبرية، كما أن القوى النووية الروسية استفادت من تطوير الأسلحة الذكية، وقد زوُدت بتجهيزات فائقة الدقة تبعث على الأمان، وتعمل بفاعلية خارقة". 
وأشار بوتين في خطابه إلى أن بلاده لن تألو جهداً في سياق تطوير سلاح الإتصالات لمنع أي شكل من أشكال التشويش أو الإختراق، وهي توصلت الى صناعة مركبات جوية تسير بتخفٍ من دون طيار، وقادرة على التعامل مع أي هجمات سيبرانية فضائية، وروسيا تعمل بجهد كبير على تحسين آداء المُسيّرات لتصل الى أبعد مسافات ممكنة، ومن دون أن تكون للعدو قدرة على اكتشافها. 
وما أغفله بوتين عن شرح فعالية الأسلحة الذكية الروسية الجديدة؛ قاله وزير الدفاع سيرغي شويغو في المناسبة ذاتها، وتحدث بإسهاب عن طريقة الاستفادة من التجارب الميدانية التي حصلت على أحدث الأسلحة في الحرب السورية، وعمل الجيش الروسي على تطوير تقنيات تجنّب سلاح الجو الوقوع بأي مكمن، خصوصاً الناتج من إطلاق صواريخ مضادة للطائرات عن الكتف، والتي كانت تشكل بعض الخطر على المقاتلات الحربية الروسية. 
واستفادت روسيا من تنظيم ملتقى الجيش 2021 لتوقيع عقود تصدير أسلحلة مع عدد من جيوش الدول المشاركة، وأبرزها الاتفاقات التي تمَّ إبرامها مع نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان ومع وزراء الدفاع في طاجيكستان وأوزبكستان وقرقيزستان، وهي دول مجاورة لأفغانستان، وطلبت من موسكو شراء طائرات هليكوبتر متطورة ووسائل الكترونية حديثة مخصصة لحماية الحدود. 
ولا تكتفي موسكو في إشهار قوة وفعالية الصناعة العسكرية الروسية، بل أنها تلجأ إلى سياسة تنظيم المناورات على نطاقٍ واسع، وقد نجحت في إقامة تدريبات كبيرة بين قوات من جيشها وقوات من الجيش الصيني في إقليم نينجيشيا شمال الصين مطلع شهر آب (اغسطس) الجاري في سياق ما أُطلق عليه "تطوير الشراكة الإستراتيجية" بين البلدين في مواجهة التهديدات الأميركية. وهي تستعد لإقامة مناورات عسكرية واسعة في قرقيزستان تشمل قوات من دول معاهدة الأمن الجماعي في 7 و8 أيلول (سبتمبر) المقبل، كما أنها تُحضِّر بقوة للمناورات الإستراتيجية "غرب 2021" التي ستقيمها في بيلاروسيا منتصف أيلول (سبتمبر) المقبل. 
من الواضح أن الإندفاعة العسكرية الروسية الجديدة تهدف بالدرجة الأولى الى تحصين المكانة الدولية لموسكو، ولمنع سقوطها في مستنقع الحصار الذي يُعده لها حلف الأطلسي، من الجهتين الغربية والجنوبية على أقل تقدير، وهما الجهتان الأساسيتان اللتان تتنفس منهما روسيا سياسياً واقتصادياً، لأن شرقها محاط بالأشواك الكورية واليابانية وبعيد من وسط العالم، وشمالها متجمِّد غالبية أيام السنة. 
ومن الأهداف الروسية أيضاً، العمل على إعادة هيكلة النظام الدولي، وهو ما اتفقت مع الصين على تحقيقه. والمشروع يحمل اقتراحات قيد التبلوُر، ومنها ترسيخ ثلاثية قطبية بينهما وبين الولايات المتحدة الأميركية، او إجهاض الأحادية الأميركية وفرض التعددية القطبية على أقل تقدير، على اعتبار أن الصين وروسيا دولتان عظميان ولا يتسع لهما محور واحد، وهما صديقتان لدودتان، بينهما مصالح مشتركة كبيرة، كما تفصلهما تعارضات استراتيجية وتاريخية وثقافية في آنٍ واحد. 
والواضح أيضاً وايضاً أن روسيا غير مرتاحة لمسار العلاقات مع أوروبا، وسياسة العقوبات التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا منذ عام 2014؛ أضرَّت بالاقتصاد، وهي تُعوّق تجارة النفط والغاز – خصوصاً إرباك استكمال العمل بخط النقل الشمالي "نورث ستريم – 2" وتحاصر بعض الصناعات الروسية ... وما بين روسيا وأوروبا هناك مكانة متقدمة لقوة السلاح على الدوام.